فصل: قال الفخر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا}.
العيد: يوم الفرح والسرور، {لِأَوَّلِنَا}: لأول أمتنا، {وَآخِرِنَا}: لآخر أمتنا أو لنا، ولمن بعدنا.
{وَآيَةً مِنْك} أي: دليلا، وحجة على قدرتك، على كل شيء، وعلى إجابتك لدعوتي، فيصدقوني فيما أبلغه عنك، {وَارْزُقْنَا} أي: من عندك رزقًا هنيئًا لا كلفة فيه، ولا تعب، {وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} أي: خير من أعطى ورزق؛ لأنك الغني الحميد.
{قَالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ}.
أي: فمن يكفر أي: يكذب بها من أمتك يا عيسى، وعاندها، فإني أعذبه عذابا، لا أعذبه أحدًا من عالمي زمانكم، وهذا على سبيل الوعيد لهم، والتهديد. وليس في الآية ما يدل على أنهم كفروا، ولا على أن غيرهم قد كفر بها، ولا على أنهم استعفوا من نزول المائدة، وإنما الذي دعا بعض المفسرين إلى هذه الأقوال ما سمعت من الروايات الإسرائيلية، وها نحن قد فسرنا الآيات تفسيرًا علميًّا صحيحًا من غير حاجة إلى ما روي، مما يدل دلالةً قاطعةً على أن مفسر القرآن في غنية عن الإسرائيليات التي شوهت جمال القرآن وجلاله. اهـ.

.قال الفخر:

قرأ ابن عامر وعاصم ونافع {مُنَزّلُهَا} بالتشديد، والباقون بالتخفيف وهما لغتان نزل وأنزل وقيل: بالتشديد أي منزلها مرة بعد أخرى، وبالتخفيف مرة واحدة. اهـ.

.قال الألوسي:

{قَالَ الله إِنّى مُنَزّلُهَا عَلَيْكُمْ} مرات عديدة كما ينبئ عن ذلك صيغة التفعيل، وورود الإجابة منه تعالى كذلك مع كون الدعاء منه عليه الصلاة والسلام بصيغة الأفعال وإظهار كمال اللطف والإحسان مع ما فيه من مراعاة ما وقع في عبارة السائلين، وفي تصدير الجملة بكلمة التحقيق وجعل خبرها اسمًا تحقيق للوعد وإيذان بأنه سبحانه وتعالى منجز له لا محالة وإشعار بالاستمرار، وهذه القراءة لأهل المدينة والشام وعاصم وقرأ الباقون كما قال الطبرسي {مُنَزّلُهَا} بالتخفيف، وجعل الإنزال والتنزيل بمعنى واحد. اهـ.

.قال الفخر:

قوله: {فَمَن يَكْفُرْ بَعْدُ مِنكُمْ} أي بعد إنزال المائدة {فَإِنّى أُعَذّبُهُ عَذَابًا لاَّ أُعَذّبُهُ أَحَدًا مّنَ العالمين} قال ابن عباس: يعني مسخهم خنازير وقيل: قردة وقيل: جنسًا من العذاب لا يعذب به غيرهم.
قال الزجاج: ويجوز أن يكون ذلك العذاب معجلًا لهم في الدنيا، ويجوز أن يكون مؤخرًا إلى الآخرة، وقوله: {مّن العالمين} يعني عالمي زمانهم.
قيل: إنهم سألوا عيسى عليه السلام هذا السؤال عند نزولهم في مفازة على غير ماء ولا طعام ولذلك قالا نريد أن نأكل منها. اهـ. بتصرف يسير.

.قال الألوسي:

{فَمَن يَكْفُرْ بَعْدُ} أي بعد تنزيلها حال كونه كائنًا {مِنكُمْ فَإِنّى أُعَذّبُهُ} بسبب كفره ذلك {عَذَابًا} هو اسم مصدر بمعنى التعذيب كالمتاع بمعنى التمتيع، وقيل: مصدر محذوف الزوائد وانتصابه على المصدرية في التقديرين، وقيل: منصوب على التوسع، والتشبيه بالمفعول به مبالغة كما ينصب الظرف ومعمول الصفة المشبهة كذلك، وجوز أبو البقاء أن يكون نصبه على الحذف والإيصال، والمراد بعذاب وهو حينئذ اسم ما يعذب به، ولا يخفى أن حذف الجار لا يطرد في غير أن وإن عند عدم اللبس، والتنوين للتعظيم أي عذابًا عظيمًا.
وقوله سبحانه وتعالى: {لاَّ أُعَذّبُهُ} في موضع النصب على أنه صفة له.
والهاء في موضع المفعول المطلق كما في ظننته زيدًا قائمًا.
ويقوم مقام العائد إلى الموصوف كما قيل.
ووجه بأنه حينئذ يعود إلى المصدر المفهوم من الفعل فيكون في معنى النكرة الواقعة بعد النفي من حيث العموم فيشمل العذاب المتقدم، ويحصل الربط بالعموم واورد عليه أن الربط بالعموم إنما ذكره النحاة في الجملة الواقعة خبرًا فلا يقاس عليه الصفة وجوز أن يكون من قبيل ضربته ضرب زيد أي عذابًا لا أعذب تعذيبًا مثله، وعلى هذا التقدير يكون الضمير راجعًا على العذاب المقدم فالربط به.
وقيل: الضمير راجع إلى «من» بتقدير مضافين أي لا أعذب مثل عذابه.
{أَحَدًا مّن العالمين} أي عالمي زمانهم أو العالمين مطلقًا، وهذا العذاب إما في الدنيا، وقد عذب من كفر منهم بمسخهم قردة وخنازير. اهـ.

.قال الفخر:

اختلفوا في أن عيسى عليه السلام هل سأل المائدة لنفسه أو سألها لقومه وإن كان قد أضافها إلى نفسه في الظاهر وكلاهما محتمل والله أعلم.
واختلفوا في أنه هل نزلت المائدة.
فقال الحسن ومجاهد: ما نزلت واحتجوا عليه بوجهين: الأول: أن القوم لما سمعوا قوله: {أُعَذّبُهُ عَذَابًا لا أعذبه أَحَدًا مّن العالمين} استغفروا وقالوا لا نريدها.
الثاني: أنه وصف المائدة بكونها عيدًا لأولهم وآخرهم فلو نزلت لبقي ذلك العيد إلى يوم القيامة.
وقال الجمهور الأعظم من المفسرين: أنها نزلت لأنه تعالى قال: {إِنّى مُنَزّلُهَا عَلَيْكُمْ} وهذا وعد بالإنزال جزمًا من غير تعليق على شرط، فوجب حصول هذا النزول.
والجواب عن الأول: أن قوله: {فَمَن يَكْفُرْ بَعْدُ مِنكُمْ فَإِنّى أُعَذّبُهُ} شرط وجزاء لا تعلق له بقوله: {إِنّى مُنَزّلُهَا عَلَيْكُمْ}.
والجواب عن الثاني: أن يوم نزولها كان عيدًا لهم ولمن بعدهم ممن كان على شرعهم. اهـ. بتصرف يسير.

.قال الماوردي:

واختلفوا في نزول المائدة على ثلاثة أقاويل.
أحدها: أنه مثل ضربه الله تعالى لخلقه، ينهاهم به عن مسألة الآيات لأنبيائه، قاله مجاهد.
والثاني: أنهم سألوا ووعدهم بالإِجابة، فلما قال لهم: {فَمَن يَكْفُرْ بَعْدُ مِنكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لاَّ أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِّنَ الْعَالَمِينَ} استعفوا منها فلم تنزل عليهم، قاله الحسن.
والثالث: أنهم سألوا فأجابهم، ولم يستعفوا، لأنه ما حكى الاستعفاء عنهم، ثم أنزلها عليهم، لأنه قد وعدهم، ولا يجوز أن يخلف وعده.
ومن قال بهذا اختلفوا في الذي كان عليها حين نزلت على ستة أقاويل:
أحدها: أنه كان عليها ثمار الجنة، قاله قتادة.
والثاني: أنه كان عيها خبز ولحم، قاله عمار بن ياسر.
والثالث: أنه كان عليها سبعة أرغفة، قاله إسحاق بن عبد الله.
والرابع: كان عليها سمكة فيها طعم كل الطعام، قاله عطاء، وعطية.
والخامس: كان عليها كل طعام إلا اللحم، قاله ميسرة.
والسادس: رغيفان وحوتان، أكلو منها أربعين يومًا في سفرة، وكانوا ومن معهم نحو خمسة آلاف، قاله جويبر.
وأُمِرُوا أن يأكلوا منها ولا يخونوا ولا يدخروا، فخانوا وادخروا فَرُفِعَتْ. اهـ.

.قال الثعلبي:

قال عبد اللّه بن عمران: أشد الناس عذابًا يوم القيامة المنافقون، ومن كفر من أصحاب المائدة، وآل فرعون.
واختلف العلماء في المائدة هل نزلت عليهم أم لا؟
فقال مجاهد: ما نزلت المائدة وهذا مثل ضربه اللّه.
وقال الحسن: واللّه ما نزلت مائدة إن القوم لما سمعوا الشرط وقيل لهم {فَمَن يَكْفُرْ بَعْدُ مِنكُمْ} الآية استغفروا وقالوا: لا نريدها ولا حاجة فيها فلم ينزل، والصواب إنها نزلت لقوله: {إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ} ولا يقع في خبره الخلف، وتواترت. الأخبار عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتابعين وغيرهم من علماء الدين في نزولها، قال كعب: نزلت يوم الأحد، لذلك اتخذه النصارى عيدًا. اهـ.

.قال الفخر:

روي أن عيسى عليه السلام لما أراد الدعاء لبس صوفًا، ثم قال: اللهم أنزل علينا فنزلت سفرة حمراء بين غمامتين غمامة فوقها وأخرى تحتها، وهم ينظرون إليها حتى سقطت بين أيديهم فبكى عليه السلام وقال: اللهم اجعلني من الشاكرين اللهم اجعلها رحمة ولا تجعلها مثلة وعقوبة، وقال لهم ليقم أحسنكم عملًا يكشف عنها ويذكر اسم الله عليها ويأكل منها.
فقال شمعون رأس الحواريين: أنت أولى بذلك، فقام عيسى وتوضأ وصلى وبكى ثم كشف المنديل.
وقال: بسم الله خير الرازقين، فإذا سمكة مشوية بلا شوك ولا فلوس تسيل دسمًا.
وعند رأسها ملح وعند ذنبها خل، وحولها من ألوان البقول ما خلا الكراث وإذا خمسة أرغفة على واحد منها زيتون وعلى الثاني عسل، وعلى الثالث سمن، وعلى الرابع جبن، وعلى الخامس قديد، فقال شمعون: يا روح الله: أمن طعام الدنيا أمن طعام الآخرة؟ فقال: ليس منهما ولكنه شيء اخترعه الله بالقدرة العالية كلوا ما سألتم واشكروا يمددكم الله ويزيدكم من فضله، فقال الحواريون: يا روح الله لو أريتنا من هذه الآية آية أخرى فقال يا سمكة احيي بإذن الله فاضطربت، ثم قال لها عودي كما كنت فعادت مشوية، ثم طارت المائدة ثم عصوا من بعدها، فمُسِخوا قردةً وخنازير. اهـ.

.قال الثعلبي:

واختلفوا في صفتها وكيف نزولها وما عليها.
فروى قتادة عن جلاس بن عمرو عن عمار بن ياسر عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال: «نزلت المائدة خبزًا ولحمًا وذلك أنهم سألوا عيسى طعامًا يأكلون منه لا ينفد، قال، فقيل لهم: فإنها مقيمة لكم ما لم تخونوا أو تخبوا أو ترفعوا فإن فعلتم ذلك عذبتكم، قال: فما مضى يومهم حتى خبوا ورفعوا وخانوا».
وقال إسحاق بن عبد اللّه: إن بعضهم سرق منها، وقال لعلها لا تنزل أبدًا فرفعت ومسخوا قردة وخنازير.
وقال ابن عباس: إن عيسى بن مريم قال لبني إسرائيل: صوموا ثلاثين يومًا ثم سلوا اللّه ما شئتم يعطكموه فصاموا ثلاثين يومًا فلما فرغوا قالوا: يا عيسى إنا لو عملنا لأحد فقضينا عمله لأطعمنا طعامًا ولأصبحنا من وجعنا، فادع لنا اللّه أن ينزل علينا مائدة من السماء فنزل الملائكة بمائدة يحملونها، عليه سبعة أرغفة وسبعة أحوات حتى وضعتها بين أيديهم وأكل منها آخر الناس كما أكل أولهم.
وروى عطاء بن سائب عن باذان وميسرة قالا: كانت إذا وضعت المائدة لبني إسرائيل إختلفت عليهم الأيدي من السماء بكل طعام إلاّ اللحم.
وقال ابن جبير عن ابن عباس: أنزل على المائدة كل شيء إلاّ الخبز واللحم.
قال عطاء: نزل عليها كل شيء إلاّ السمك واللحم.
قال العوفي: نزلت من السماء سمكة فيها طعم كل شيء.
وقال عمار وقتادة: كانت مائدة تنزل من السماء وعليها ثمر من ثمار الجنة.
وقال وهب بن منبه: أنزل اللّه أقرصة من شعير وحيتانًا، فقيل لوهب: ما كان ذلك يغني عنهم، قال: لا شيء ولكن اللّه أضعف لهم البركة، فكان لهم يأكلون ثم يخرجون فيجيء آخرون فيأكلون حتى أكلوها جميعهم وفضل.